• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التدخلات الخارجية في العراق بعد انتخابات ٢٠١٨ وفروض المواجهة

د. أحمد الميالي

التدخلات الخارجية في العراق بعد انتخابات ٢٠١٨ وفروض المواجهة

ممكن القول، أنّ انتخابات مجلس النواب العراقي لعام ٢٠١٨، قد تكون أقل الانتخابات تأثراً بالمحيط الإقليمي والدولي من ناحية التدخل في تشكيل الكيانات الانتخابية ومستوى المشاركة السياسية وكذلك النتائج، فبمجرد نظرة بسيطة إلى تلك الكيانات وتفككها على مستوى المكونات والبُعد المذهبي نجد تراجعاً في مشهد التأثير بتشكليها، كذلك المشاركة الانتخابية المتراجعة تضع احتمالات شُبه مؤكّدة بضعف التأثير الخارجي في ملف الانتخابات العراقية، فلم تستطع القوى الإقليمية والدولية التأثير في تأجيل الانتخابات، ولم تستطع أيضاً من استثمار لحظات ما بعد داعش بفرض سيناريو تحشيد كبير للمشاركة لاغتنام فرصة الانتصار وتحقيق نتائج كاسحة وتشكيل حكومة أغلبية.

 ولكن بعد الانتخابات وفي مشهد تشكيل التحالفات وعدم القدرة على تحديد هُويّة الكتلة الأكبر وتشكيل الحكومة والظروف الأُخرى المعيقة للأداء السياسي يتّضح دور التدخلات المكشوفة في شؤون العراق خاصّة في قضية تشكيل الحكومة، إذ لن تسمح تلك القوى المتصارعة وهي: أمريكا وإيران وتركيا والسعودية وقطر بتشكيل أغلبية نيابية مخالفة لمصالحها وتكون الأساسَ في اختيار رئيس الحكومة وتركيبتها؛ لأنّ العراق يعد عمق أساس للأمن القومي لتلك الدول بكلّ مجالاته.

فتركيا أرادت التأثير على مجريات تشكيل الحكومة، وأي رئيس لها لابدّ أن يحصل على دعم تركي لضمان عدم حصول توترات حدودية وأزمة مياه، وتوازنات العلاقة مع كُردستان، خاصّة مع وجود قوات تركية في شمال العراق تحت غطاء محاربة حزب العمال الكُردستاني، وأيضاً للمملكة العربية السعودية مطامح واسعة في توسيع نفوذها في العراق عبر دعم قوى سياسية تضمن مصالحها وتوجهاتها، خاصّة وأنّ المملكة حاولت تصفية حساباتها مع إيران في العراق عبر بوابة تشكيل الحكومة، وهي تستفيد كما تستفيد الولايات المتحدة وتركيا من الانقسام السياسي، كما دخلت قطر على خطّ إطار تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب ضمن بوابة الضغوط الخارجية التي تمارس على القوى المتفاوضة. ويُقال: إنّ قطر مارست ضغوطات على زعيم سياسي سني ممّا سبب في حصول تصدعات داخل تكتله في الاختيار بين المتنافسين لرئاسة الحكومة وأيضاً رئاسة البرلمان.

أمّا إيران، فقد حاولت العمل على تحقيق حلحلة داخل البيت الشيعي لحسم هُويّة الكتلة الأكبر، ولكنّها لم تستطع إنجاح ذلك، فالقوى الخماسية الشيعية (ائتلاف النصر، وسائرون، والفتح، إضافة إلى ائتلاف دولة القانون، وتيار الحكمة) وصل الخلاف بينهم إلى مستويات غير مسبوقة فانشقوا إلى تحالفي البناء والإصلاح.

ولكنّها نجحت في التأثير على الأصدقاء السياسيين باستبعاد حيدر العبادي لنيل الولاية الثانية بعد إعلان موقفه من تطبيق الحكومة العراقية للعقوبات الأميركية ضد إيران.

أمّا التدخل الأمريكي المرتبط بالتدخلات الإقليمية تجسّد بالفيتو الذي طرحه الموفد الأميركي إلى العراق بريت ماكغورك ضد بعض مكونات تحالف الفتح ومرشحها لرئاسة الحكومة هادي العامري وفالح الفياض لقربهما من إيران، وعملت الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط نحو تكليف رئيس حكومة حليف لها ويعمل على تأمين مصالحها وضمان بقاء التواجد العسكري في العراق، وأهم تلك المصالح هو محاربة النفوذ الإيراني في العراق.

بعد انتهاء ملف تشكيل الحكومة بدأت المبارزة الإقليمية والدولية في العراق عبر محاولات تثبيت المشاريع والنفوذ ومواجهة المشاريع المضادة، فأمريكا بعد إعلان الانسحاب من سوريا الذي نعتبره إعادة انتشار تجاه العراق، وسبق ذلك زيارة ترامب الخاطفة إلى قاعدة عين الأسد وتبعها زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للعراق في إطار ترسيخ العلاقة مع العراق وإيضاح توجهات أمريكا المتجسّدة بالتمركّز عسكرياً وسياسياً ومحاولة جر العراق لتحالف عربي جديد لمواجهة إيران في المنطقة.

أمّا إيران فإنّها تسعى لترسيخ نفوذها مع العراق اقتصادياً وأمنياً وسياسياً عبر دعم تحالف البناء من جهة والحفاظ على علاقاتها مع بقية القوى السياسية، وهذا ما أشرته زيارة وزير الخارجية الإيراني محمّد جوّاد ظريف إلى العراق ولقاءه بالقيادات السياسية والفاعليين الاجتماعيين وتهديد أمريكا من البوابة العراقية، وهذا قد يؤشّر تحوّل العراق إلى حلبة صراع أمريكي - إيراني.

وتسعى السعودية إلى استثمار سياسي من نوع جديد على شاكلة تموضع سياسي إيجابي مع الساسة الشيعة وتدشين علاقات ومشاريع اقتصادية واسعة في جنوب ووسط العراق، إضافة إلى دعم الإستراتيجية الأمريكية في العراق وتمويلها.

وتحاول تركيا جاهدة توطيد نفوذها في العراق رغم تراجع تأثيرها السياسي لكن تستعيض عن ذلك بأدوات التواجد العسكري وسلاح المياه والتحجّج بمحاربة حزب العمال الكُردستاني وترميم العلاقة مع أكراد العراق لتضمن لها حصة في مواجهة تراجع نفوذها لصالح إيران، كما أنّها من المرجح أنّ تؤدِّي دور الظهير أو الوكيل للجانب الأمريكي في حال استمرار الترتيبات المشتركة في سوريا دون توتر أو تراجع بالتفاهمات.

يضاف إلى هذا التمحور الإقليمي الأردن، فبعد زيارة عاهلها لبغداد وطرح مشاريع مشتركة بين البلدين، يبدو أنّه حمل أجندات متطابقة مع الأجندات الأمريكية والسعودية في قبال مواجهة إيران وضبط توازن نفوذها في العراق.

في ظل هذه المعطيات والزحام الإقليمي والدولي على العراق بعد فشل مراهنات تحقيق مصالح الدول المتزاحمة أثناء سيطرة داعش على ثلث مساحة العراق سواء بتقسيم البلد أو بطرح خيارات تكبيل العراق وتغيير نمط العملية السياسية وموازينها لصالح تلك الدول، ولهذا عملت هذه الدول بإعادة المراهنة على منطق الزبائنية السياسية فالعراق بيئة خصبة لهذا المنطق، حيث تنامت شبكة الزبائنية من الناحية البيانية تصاعدياً وشكلت دائرة اتصالية جماعية، حدّدت هذه الدائرة كيفية تواصل بعض النُّخب السياسية مع الخارج بطريقة معقدة دون ذكر كيفية التواصل، لكن منطق الصفقات البنيوي والوظيفي هو السائد فأصبحت هذه النُّخب المحلية لوبيات وشبكات ضغط قوامها تحقيق تخادم مصالح إقليمية ودولية في العراق.

ولمواجهة هذا التزاحم السياسي ومواجهة التدخلات الخارجية في العراق لابدّ من الفرضيات المحورية الآتية:

1- يحتاج العراق إلى دعم سياسي إقليمي ودولي، ولكن وفق أُطر تمتين العلاقات مع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، ممّا يمنح فرصة أقوى لاحتواء المعطيات والمتغيرات الحاصلة في المنطقة مع توجيه وتحرك حذّر تجاه ما يحصل فيها بما ينعكس على حفظ مصالح العراق من تأثيرات تداعيات الصراع الإقليمي وعدم جره لتجاذبات المحاور المتشكلة ما يعمل على إضعاف موقف العراق ويجعله ساحة للتدخل وعدم الاستقرار. فأهم أدوات استعادة ثقة المجتمع بالقوى السياسية الحاكمة: هو تقليص حجم التأثر بالتداعيات الإقليمية الحاصلة حول العراق، والبدء بتحصين العملية السياسية والحرص على نجاحها وإبعادها عن التدخلات الخارجية.

٢- يحتاج العراق في إطار مواجهة هذا الحراك الإقليمي الدولي إلى تكييف وتحويل هذا السلوك الصراعي والتنافسي إلى مصالح وطنية عبر توفير آليات لإدارة النزاعات وحلها، يفرضها صناع القرار بعيداً عن منطق الربح والخسارة على المستوى الحزبي، بالاعتماد على منطق الشفافية بعيداً عن السرية في العمل الدبلوماسي ورهن الاتفاقات وقنوات الاتصال ضمن دائرة ضيِّقة من النُّخب السياسية الحاكمة في الدولة، وهذا يكون عبر تقوية منظومة الرقابة على ملف العلاقات الخارجية وتوسيع دائرة مشاركة القوى السياسية الوطنية بهذا الملف وتوفير غطاء سياسي داعم وموحّد مع توفير أدوات تنفيذ السياسة الخارجية العراقية، وكلّما كان هنالك تشاركية أوسع وتماسك أقوى داخلياً انعكس ذلك على صعيد الملف الخارجي، وهذا يستلزم إنجاز الشرعية الدستورية وإعطاء دور للبرلمان للاشتراك والرقابة على السياسة الخارجية في القضايا المصيرية، لأنّ مناخ الأزمات التي يمرّ بها العراق يزيد الحاجة إلى مركزية في إعداد السياسة الخارجية العراقية.

هذا السياق سيعمل على تأمين التراضي مع الرأي العام بحرص الدولة على تحقيق الإجماع الوطني على سياستها الخارجية والظهور بمظهر الوحدة الوطنية.

٣- الاعتماد على ما يعرف بالدبلوماسية الجماعية أو المتعدّدة التي أصبحت أداة مهمّة لإيجاد حلول للصراعات، خاصّة أنّ طبيعة تلك الصراعات الإقليمية في العراق تعقدت بتفاعلها مع عوامل عرقية ودينية وبات من الصعب على الدولة العراقية بمفردها إنجاز حلول لها، في حين أنّ العمل مع دول الصراع قادر بشكل جماعي على اجتراح حلول للمشاكل المطروحة.

٤- بالإمكان اللجوء إلى ما يعرف بالدبلوماسية الموازية أو الدبلوماسية متعدّدة المسارات بالاعتماد على فتح قنوات اتصال شبه رسمية ومشاركة فاعلين متعدّدي الاختصاصات كجامعيين ومراكز أبحاث ومنظمات ورجال أعمال ومبعوثين خاصين من أجل إقامة نماذج جديدة في حل النزاعات وتسوية الملفات.

ارسال التعليق

Top